العلاقات الروسیة فی العراق من المصالح الإقتصادیة إلى الأهداف الجیوسیاسیة

فی السنوات الأخیرة شهدت العلاقات بین روسیا والعراق نموًا، ویمکن تحلیلها من زوایا ثنائیة وإقلیمیة ودولیة مختلفة. من بین السمات التی تجعل العراق جاذباً لروسیا ما یلی.
19 محرم 1442
رویت 3409
علي أكبر جوكار

 فی السنوات الأخیرة شهدت العلاقات بین روسیا والعراق نموًا، ویمکن تحلیلها من زوایا ثنائیة وإقلیمیة ودولیة مختلفة.

من بین السمات التی تجعل العراق جاذباً لروسیا ما یلی.

  1. العراق من الدول العربیة التی لدیها علاقات ودیة قدیمة مع روسیا.
  2. یمتلک العراق احتیاطیات غنیة من النفط والغاز، وهذا البلد مهم بالنسبة لروسیا من حیث الإستثمار والمنافسة فی إنتاج الطاقة وإمداداتها.
  3. وجود داعش وجماعات إرهابیة أخرى فی العراق وسوریا ومخاوف أمنیة خطیرة لروسیا بشأن أنشطتها بالقرب من حدودها.
  4. وجود القوات الأمریکیة فی العراق وجهود أمریکیة للحد من أنشطة روسیا کقوة منافسة.

من جانب سعت روسیا، نظرًا لخصائصها التاریخیة والإقلیمیة وقوّتها العسکریة، فضلاً عن عضویتها الدائمة فی مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وحیازة الموارد الجوفیة، إلى منصب یتناسب مع القدرات المذکورة أعلاه فی النظام الدولی. وعلى مدى العقدین الماضیین، سعت إلى استعادة وضعها السابق. وبناءً على ذلک، فإن إحدى أولویات روسیا هی توسیع التعاون الإقلیمی والدولی خارج نطاق  محیطها المباشر (آسیا الوسطى والقوقاز). فی هذا السیاق، تتمتع منطقة غرب آسیا بمکانة خاصة عند روسیا بسبب أهمیتها الجیوسیاسیة والإقتصادیة، بما فی ذلک علاقة روسیا مع العراق. یتناول هذا المقال بإیجاز سلوک السیاسة الخارجیة الروسیة وأهدافها فی العراق على مدى العقود الثلاثة الماضیة.

 خلفیة العلاقات الروسیة العراقیة

یمکن رؤیة البدایة الجادة للتعاون بین البلدین فی عام 1959، عندما تمت الإطاحة بالنظام الملکی فی العراق وتشکیل حکومة الجمهوریة. منذ هذا العام فصاعدًا، کانت العلاقات بین روسیا والعراق، على الرغم من بعض التقلبات، إیجابیة بشکل عام، ویعتبر العراق أحد أهم شرکاء الإتحاد السوفیتی فی العالم العربی. قدّم توقیع معاهدة الصداقة والتعاون بین الإتّحاد السوفیتی والعراق فی 9 أبریل 1972 أساسًا قانونیًا قویًا للعلاقات بین البلدین، وهو الوضع الذی استمر حتى اجتیاح صدام حسین للکویت عام 1990 وانهیار الإتحاد السوفیتی عام 1991. حتى ذلک الحین، کان الإّتحاد السوفیتی یساعد العراق على التصنیع وکان أکبر مورد للأسلحة فی البلاد.

إن احتلال القوات العراقیة للکویت فی أغسطس 1990 والدعم السوفیتی لقراری مجلس الأمن الدولی رقم 660 و 665 ضد العراق، الأمر الذی أدى فی النهایة إلى السماح بقیام عملیات عسکریة ضد البلاد، عکس حقیقةأن العامل الأیدیولوجی فقد مکانته فی دعم الدول فی السیاسة الخارجیة السوفیتیة ودخلت حسابات جدیدة فی معادلات القوة على المستوى الدولی. استمرت هذه السمة فی السیاسة الخارجیة لروسیا، والتی حلّت محل الإتّحاد السوفیتی منذ عام 1991، ومرافقة أو صمت هذا البلد تجاه السلوک الأحادی للولایات المتحدة أکد مقاربة موسکو فیما یتعلق بتطورات النظام الدولی.

من جانب یمکن اعتبار أوائل التسعینیات، عندما کانت روسیا تواجه تداعیات إنهیار الإتحاد السوفیتی والعراق یواجه عقوبات دولیة بسبب الأزمة الکویتیة، فترة رکود فی العلاقات بین البلدین. لکن منذ عام 1996، مع تغییر وزیر خارجیة روسیا الموالی للغرب وخیبة أمل البلاد من قبولها کقوة دولیة من الدرجة الأولى من قبل الولایات المتحدة وحلفائها الأوروبیین، أثیرت قضیة تجدید العلاقات مع الدول الصدیقة ومنها العراق. ونتیجة لذلک، تعززت العلاقات بین الحکومتین العراقیة والروسیة منذ عام 1997، وتم تسلیم جزء من المهمة الدولیة لبرنامج النفط مقابل الغذاء، التی تم تبنیها بموجب قرار مجلس الأمن رقم 986، إلى روسیا. وفی الوقت نفسه، تم توقیع عقد بقیمة 3.8 ملیار دولار بین العراق وشرکة لوک أویل الروسیة لإستغلال حقل غرب القرنة فی العراق. اتفاق لم یتم تنفیذه فی ذلک الوقت بسبب عقوبات الأمم المتحدة.

 العلاقات بین البلدین من 2003 إلى 2012

قضیة أسلحة الدمار الشامل العراقیة، التی أثارتها الولایات المتحدة وبریطانیا فی عام 2003 وقرارهما بغزو العراق، من بین قضایا أخرى أبقت روسیا متورطة فی العراق.  مع العلم أن الولایات المتحدة مصممة على تنفیذ العملیة على أی حال، سعت إدارة بوتین أولاً إلى متابعة الأمر من خلال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؛ على وجه الخصوص، عارضت ألمانیا وفرنسا أیضًا العملیات العسکریة فی العراق، مما وفر فرصة للتعاون ضد الأحادیة الأمریکیة.  تعارض روسیا بشدة الغزو الأمریکی للعراق وتحتج على مواجهة البلاد خارج میثاق الأمم المتحدة. لکن العملیة العسکریة الأمریکیة والإطاحة بصدام حسین دفعت روسیا إلى تغییر تکتیکی ومحاولة تعدیل مواقفها السابقة المعارضة للولایات المتحدة ومواصلة العمل معها فی إطار الحرب على الإرهاب الدولی.

کانت روسیا تأمل فی التغییر التکتیکی للسماح للشرکات الروسیة بالمشارکة فی المشاریع النفطیة فی العراق ما بعد صدام. وبناء على ذلک، وافق الرئیس الروسی على التعاون مع الحکومة الجدیدة للعراق والولایات المتحدة. فی شباط (فبرایر) 2008، تخلت روسیا عن کل دیون العراق التی تعود إلى الحقبة السوفیتیة (من 8 إلى 12 ملیار دولار). منذ عام 2009، وقعت لوک أویل و غازبروم عقود نفطیة کبیرة مع العراق. فی السنوات التالیة وقعت هذه الشرکات عقوداً أخرى فی مجال النفط والغاز فی إقلیم کردستان. وفی عام 2012 أیضًا، وقع الکرملین صفقة أسلحة بقیمة 4 ملیارات دولار مع الحکومة العراقیة. وبحسب شرکة الصناعات الدفاعیة الروسیة (Rostec) عام 2012، فإن الإتفاقیة صنفت العراق کثانی أکبر مشتر للأسلحة الروسیة بعد الهند وبالمساواة مع الصین.

 العلاقات بین البلدین من 2012 إلى 2020

تتأثر العلاقات الروسیة العراقیة فی هذه المرحلة، والتی تبدأ فعلیًا بالولایة الثانیة لرئاسة فلادیمیر بوتین، بمتغیرات مهمة من التنافس الجیوسیاسی والإقتصادی. الأزمة فی سوریا والعراق وظهور داعش من العوامل التی أدّت إلى حضور أکثر جدیّة لروسیا فی المنطقة. یُعد التورط المباشر فی الحرب على الإرهاب فی سوریا ودعم العراق فی محاربة داعش من السمات السلوکیة لسیاسة روسیا الخارجیة فی المنطقة. من النقاط البارزة فی سیاسة روسیا الخارجیة تجاه العراق التأکید على وحدة أراضی العراق بعد الاستفتاء على استقلال الإقلیم الکردی، على الرغم من علاقات موسکو الجیدة مع المنطقة.

من النّاحیة الإقتصادیة، لا یزال الروس یحاولون الحفاظ على مکانتهم فی مجال النفط والغاز ومبیعات الأسلحة للعراق. ووفقًا لوزیر الخارجیة الروسی لافروف، استثمرت شرکات النفط لوک أویل و غازبروم و روسنفت و Soyuz Oil and Gas حتى الآن أکثر من 10 ملیارات دولار فی النفط والغاز العراقی. کما أعلن نائب وزیر الخارجیة الروسی باجدانوف فی احتفال أقیم فی 2018 فی السفارة العراقیة فی موسکو، فی إشارة إلى التعاون العسکری بین البلدین، أن العراق هو ثانی أکبر مستورد للأسلحة العسکریة من روسیا بعد الهند. وعقد البلدان حتى الآن ثمانیة اجتماعات للجنة الإقتصادیة المشترکة، کانت الجولة الأخیرة منها فی نیسان/أبریل 2019 فی بغداد، وتم التوقیع على 16 وثیقة تعاون فی مختلف المجالات بین البلدین. على الصعید السیاسی، یجری البلدان اتصالات على مستویات عالیة، وقام وزیرا خارجیة البلدین بزیارات متبادلة إلى بغداد وموسکو.

أهداف السیاسة الخارجیة الروسیة فی العراق

کما هو واضح فی المقدمة، أهمیة العراق بالنسبة لروسیا إقتصادیة بالدرجة الأولى ، وتسعى روسیا من خلال دعم أنشطة شرکات النفط والغاز الروسیة فی العراق إلى الحفاظ على مکانتها فی مجال إنتاج وتوزیع الموارد الهیدروکربونیة العالمیة وترقیته، مع التمتع بفوائدها الإقتصادیة المباشرة. یعتبر إقتصاد روسیا الیوم أضعف من إقتصاد القوى العالمیة الأخرى، بما فی ذلک الولایات المتحدة والصین، وتتطلب زیادة قوتها الإقتصادیة الإستفادة من الفرص التی تتمتع فیها بمیزة. یعتبر الإستثمار فی مجال الطاقة ومبیعات الأسلحة أحد المجالات المناسبة التی تتعاون فیها روسیا والعراق حالیًا.

الهدف الآخر لروسیا فی تعزیز العلاقات مع العراق هو قضیة أمنیة. بدأت حیاة روسیا الجدیدة مع الأزمة فی جمهوریة الشیشان المسلمة فی التسعینیات، والتی سعت إلى تحقیق أهداف أکثر من مجرد إنفصال المنطقة. وبحسب مصادر روسیة، فإن أکثر ما یقلق الروس هو الدعم المالی لبعض الدول العربیة فی الخلیج الفارسی للمقاتلین الشیشان من أجل نشر الفکر الإسلامی السلفی فی روسیا. یعتبر ظهور تنظیم داعش، الذی جند أیضًا متطوعین من بعض المناطق الإسلامیة فی روسیا، أحد الأسباب الرئیسیة لمخاوف الروس الأمنیة من دخول التطرف والإرهاب إلى حدود البلاد. ونتیجة لذلک، ولأول مرة منذ ثلاثة عقود، شنّت القوات الروسیة عملیات عسکریة خارج حدودها وقدمت أسلحة للعراق لمحاربة داعش.

إن تعزیز دور روسیا الإقلیمی هو هدف آخر تسعى إلیه فی علاقاتها مع دول غرب آسیا، بما فی ذلک العراق. تدرک روسیا جیدًا أن السلوک غیر المتوازن والسیاسة العدائیة للولایات المتحدة تجاه بعض البلدان فی المنطقة قد وفرت أفضل فرصة لروسیا للعب دور أکثر نشاطًا فیها؛ وقد لقی هذا ترحیباَ من دول المنطقة إلى حد ما، وقد أدى إلى تعزیز مکانة روسیا فی العلاقات مع هذه الدول.

قضیة مهمة أخرى هی أهداف روسیا الجیوسیاسیة على المستوى الدولی. بینما النظام أحادی القطب الذی تدرسه الولایات المتحدة تسبب فی خلق الأزمة أکثر من بناء السلام، تعمل القوى الجدیدة على تشکیل نظام متعدد الأطراف لتعویض هذا النقص. روسیا ایضاَ، إدراکًا لأهمیة التعاون مع مناطق مختلفة من العالم فی إنشاء نظام متعدد الأقطاب، أعطت الأولویة لتوسیع علاقاتها مع دول غرب آسیا، وفی السنوات الأخیرة اتّبعت سیاسة نشطة فی هذه المنطقة.

"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است